أحدث الأخبار
recent

نظريات في التوجيه والإرشاد

      يتفق المشتغلون بالتوجيه والإرشاد الطلابي على أن المرشد الطلابي بحاجة كبيرة للتعرف على النظريات التي يقوم عليها التوجيه والإرشاد وذلك يعود لأهمية تطبيقاتها أثناء الممارسة المهنية للعمل الإرشادي حيث أن هذه النظريات تمثل خلاصة ما قام به الباحثون في مجال السلوك الإنساني والتي وضعت في شكل إطارات عامة تبين الأسباب المتوقعة للمشكلات التي يعاني منها المسترشد كما ترصد الطرق المختلفة لتعديل ذلك السلوك وما يجب على المرشد القيام به لتحقيق ذلك الغرض .
      إن دراسة هذه التصورات تعطي تصوراً للدور الذي يجب على المرشد القيام به، فالنظرية التي يمارس المرشد عمله في إطارها تحدد بدرجة كبيرة سلوكه في العلمية الإرشادية، مع إمكانياته الاستعانة بنظريات أخرى تساعده على القيام بدوره في المقابلة مثلاً، أو تشخيص الحالة أو في البرنامج العلاجي المقترح لهذه الحالة، وكما أن النظريات في التوجيه والإرشاد تعطي تصوراً عن الشخصية وخصائص النمو الإنساني ومراحله ومشكلاته فإن على المرشد الطلابي أن يستفيد منها في ممارسة عمله المهني المتخصص بما لا يتعارض مع عقيدته وقيمة وآداب مجتمعه .
     وهذه النظريات كثيرة مما حدا بأحد علماء النفس بتشبيهها بالغابة الكثيفة الأشجار، ولكننا اخترنا بعض النظريات حيث روعي في عرضها الإشارة للأفكار الرئيسية التي تقوم عليها النظرية وتطبيقاتها العملية لتحمل بعض الأمثلة من واقع الممارسة الإرشادية ليختار المرشد الطلابي ما يتناسب مع أساليبه وطرقه التي يستخدمها مع المسترشد، ومن هذه النظريات نظرية الذات ونظرية الإرشاد العقلاني والانفعالي، والنظرية السلوكية ونظرية التحليل النفسي.
   لقد تركنا الخيار للمرشد الطلابي في الاستزادة والتعرف على النظريات النفسية والإرشادية الأخرى ويمكن استعراض بعض هذه النظريات على الشكل التالي.

أولا: نظرية الذات:-
     وتعتمد هذه النظرية على أسلوب الإرشاد غير المباشر وقد أطلق عليها الإرشاد المتمركز حول المسترشد(العميل) وصاحب هذه النظرية هو كارل روجرز، وترى هذه النظرية أن الذات تتكون وتتحقق من خلال النمو الإيجابي وتتمثل في بعض العناصر مثل صفات الفرد وقدراته والمفاهيم التي يكونها داخله نحو ذاته والآخرين والبيئة الاجتماعية التي يعيش فيها وكذلك عن خبراته وعن الناس المحيطين به، وهي تمثل صورة الفرد وجوهرة وحيويته، لذا فإن فهم الإنسان لذاته له أثر كبير في سلوكه من حيث السواء أو الانحراف، وتعاون المسترشد مع المرشد أمر أساسي في نجاح عملية الإرشاد فلا بد من فهم ذات المسترشد(العميل) كما يتصورها بنفسه ولذلك فإنه من المهم دراسة خبرات الفرد وتجاربه وتصوراته عن نفسه والآخرين من حوله.
   ويمكن تحديد جوانب اهتمامات هذه النظرية من خلال التالي:-
1-  إن الفرد يعيش في عالم متغير من خلال خبرته، ويدركه ويعتبره مركزه ومحوره.
2-  يتوقف تفاعل الفرد من العالم الخارجي وفقاً لخبرته وإدراكه لها لما يمثل الواقع لديه .
3-  يكون تفاعل الفرد واستجابته مع ما يحيط به بشكل كلي ومنظم .
4-  معظم الأساليب السلوكية التي يختارها الفرد تكون متوافقة مع مفهوم الذات لديه  .
5- التكيف النفسي يتم عندما يتمكن الفرد من استيعاب جميع خبراته وإعطائها معنى يتلائم ويتناسق مع مفهوم الذات لديه .
6- سوء التوافق والتوتر  النفسي ينتج عندما يفشل الفرد في استيعاب وتنظيم الخبرات الحسية العقلية التي يمر بها .
7- الخبرات التي لا تتوافق مع مكونات ذات الفرد تعتبر مهددة لكيانها، فالذات عندما تواجهها مثل هذه الخبرات تزداد تماسكاً وتنظيماً للمحافظة على كيانها .
8- الخبرات المتوافقة مع الذات يتفحصها الفرد ثم يستوعبها، وتعمل الذات على احتوائها وبالتالي تزيد من قدرة الفرد على تفهم الآخرين وتقبلهم كأفراد مستقلين .
9- ازدياد الاستيعاب الواعي لخبرات الفرد يساعده على تصحيح بعض المفاهيم الخاطئة التي تم استيعابها بشكل خاطئ وتؤدي إلى تكوين منهج أو سلوك خاطئ لدى الفرد .

   

ثانياً : نظرية الإرشاد العقلاني والانفعالي :
     صاحب هذه النظرية البرت إليس وهو عالم نفسي إكلينيكي أهتم بالتوجيه والإرشاد المدرسي والإرشاد ألزواجي والأسري، وترى هذه النظرية بأن الناس ينقسمون إلى قسمين، واقعيون، وغير واقعيين، وأن أفكارهم تؤثر على سلوكهم فهم بالتالي عرضة للمشاعر السلبية مثل القلق والعدوان والشعور بالذنب بسبب تفكيرهم ألا واقعي وحالتهم الانفعالية والتي يمكن التغلب عليها بتنمية قدرة الفرد العقلية وزيادة درجة إدراكه.

 

ثالثاً: النظرية السلوكية:
     يرى أصحاب هذه النظرية بأن السلوك الإنساني عبارة عن مجموعة من العادات التي يتعلمها الفرد ويكتسبها أثناء مراحل نموه المختلفة، ويتحكم في تكوينها قوانين الدماغ وهي قوى الكف وقوى الاستثارة اللتان تسيران مجموعة الاستجابات الشرطية ويرجعون ذلك إلى العوامل البيئية التي يتعرض لها الفرد .
     وتدور هذه النظرية حول محور عملية التعلم في اكتساب التعلم الجديد أو في إطفائه أو إعادته، ولذا فإن السلوك الإنساني مكتسب عن طريق التعلم، وأن سلوك الفرد قابل للتعديل أو التغيير بإيجاد ظروف وأجواء تعليمية معينة .
     يقوم المرشد الطلابي بتحمل مسئوليته في العملية الإرشادية وذلك لكونه أكثر تفهماً للمسترشد من خلال قيامه بالإجراءات التالية:
1-  وضع أهداف مرغوب فيها لدى المسترشد وأن يستمر المرشد الطلابي بالعمل معه حتى يصل إلى أهدافه .
2- معرفة المرشد الطلابي للحدود والأهداف التي يصبوا إليها المسترشد من خلال المقابلات الأولية التي يعملها مع المسترشد .
3-  إدراكه بأن السلوك الإنساني مكتسب عن طريق التعلم وقابل للتغيير .
4- معرفة أسس التعلم الاجتماعي وتأثيرها على المسترشد من خلال التغيرات التي تطرأ على سلوك المسترشد خارج نطاق الجلسات الإرشادية .
5-  صياغة أساليب إرشادية إجرائية عديدة لمساعدة المسترشد على حل مشكلاته .
6- توقيت التعزيز المناسب من قبل المرشد عاملاً مساعداً في تحديد السلوك المطلوب من المسترشد، وقدرته على استنتاج هذا السلوك المراد تعزيزه.



رابعاً : نظرية التحليل النفسي:
     وقد حظيت هذه النظرية بشهرة واسعة عند ظهورها في الدراسات النفسية وخاصة في مجالات الإرشاد النفسي والصحة النفسية وترى هذه النظرية بأن الوعي الإنساني صنف على مستويين هما الشعور واللاشعور، وكما أن تصورها للشخصية يقوم على ثلاثة أبعاد هي:
1- الهو وهو مستقر الغرائز والدوافع الأولية ومستودعها.
2- الأنا العليا وهي مستقر الضمير أو القيم أو الأخلاق والمثل العليا فهي بمثابة سلطة عليا داخلية تراقب وتحاسب .
3- الأنا وتحتل مكاناً وسطاً بين مستقر الغرائز ومستقر المثل العليا فهي مراكز الشعور والتفكير المشرف على السلوك ويعمل على التوفيق ما بين (الهو) الدنيا و(الأنا العليا) .

المبادئ التي تقوم عليها هذه نظرية التحليل النفسي:
1- الحتمية النفسية : أي أن لكل سبب نتيجة ولكل نتيجة سبب وقد يكون السبب ظاهر أو غير ظاهر وقد يكون منطقياً أو بعيد عن المنطق. أي أن هناك سببا يكمن وراء أي حدث يحدث.
2- الحيل اللاشعورية: وتنجم من داخل الفرد نفسه لمواجهة الأخطار الأخلاقية من الأشخاص المحيطين بالفرد نفسه في بينته لتدافع عن شخصية هذا الفرد ويطلق عليها بين قوسين (ميكانزمات الدفاع) ومنها:
2/1 : التوحد: وهي محاولة الفرد للوصول إلى الهدف بأن يبرمج ذاته بصفات محددة أو بذات شخص آخر من خلال تقليده أو محاكاته ولذا فإن تقليد الوالدين ومحاكاتهم يخفف من درجة التوتر لدى الفرد .
2/2 الاستبدال والإزاحة : وهي عملية توجيه الطاقة من هدف إلى آخر لتوضيح قدرة الفرد على تغيير هدف نشاطه من موضوع نفسي إلى أخر وتتم عملية التغيير هذه عندما يكون الهدف الجديد لا يكفي لإزالة التوتر ولذا فإنه يظل يبحث عن الأفضل لتخفيف ذلك التوتر لديه وهذا يفسر تنوع أشكال سلوك الإنسان .
  ومن أمثلة الإزاحة التسامي وهو أسلوب تسلكه الدوافع العدوانية أو الجسمية لتتخذ طريقاً ثقافياً أو إنسانياً أو حضارياً أو فنيا ويحتاج الفرد لمزيد من النضج حتى يمكنه التسامي بطاقته وتحويلها إلى موضوعات تشبع حاجاته وتساعد على نمو مجتمعه أيضاً .
2/3: الكبت: وهو محاولة الفرد التحفظ عن دوافع مثيرة للقلق، ويرفض ببساطة الاعتراف بوجودها، الأفراد الذين يعتريهم الكبت تكون شخصياتهم متوترة متصلة وتسيطر(الأنا العليا) لديهم على (الأنا) ويعمل الكبت في مرحلة الطفولة على تقوية (الأنا) وتساعده حينما يكبر وتسبب له بعض المشكلات النفسية.
2/4: الإسقاط: وهو إنكار صفة معينة في الفرد ولإلصاقها بفرد آخر وهو مرتبط بحيلة الإنكار، فمثلاً عندما يكره طالب أحد زملائه فيدعي بأن زميله يكرهه ويستخدم هذا الأسلوب أحياناً في حياتنا اليومية غير أن الإفراط في استخدامه يعوق معرفة الفرد لنفسه ويفسد علاقته الاجتماعية أيضاً لأنه قد يصل به الحد للحط من شأن الآخرين مما يؤدي إلى اختلاف في الإدراك أو إدراك أشياء لا وجود لها .
2/5: النكوص: وهي تراجع الفرد إلى ممارسة أساليب سلوكية في مرحلة سابقة من حياته لا تناسب مع مرحلة نموه الحالية ليجنب ذاته الشعور بالعجز والفشل أو المخاوف أو الحرمان وهذه العملية تجنب الفرد الشعور وبالقلق ولكنها تعيق النمو ومن الأمثلة: الطفل الصغير الذي ينكص إلى أنواع السلوك ألطفلي المبكر عندما يواجه خطر فقدان الحب ويعتقد أنه يعود إلى هذه المرحلة من النمو التي تحقق له الحب.
2/6 : التثبيت: عندما ينتقل الفرد من مرحلة نمو إلى مرحلة أخرى يواجه مواقف محبطة ومثيرة للقلق تعوق استمرار نموه بصفة مؤقتة على الأقل ويثبت على مرحلة معينة من مراحل نموه  ويخاف الانتقال منها ويتخلى عن شرط سلوكي معين على إشباع حاجاته، لعدم تأكده من السلوك هل يستحق الإشباع أم لا ؟ .
2/7: التكوين العكسي: تحاول (الأنا) تكوين سلوك على النقيض عندما يكون هناك موقف يثير القلق فإذا كان الفرد يشعر بكراهية شخص ما، فقد يظهر مشاعر الود والحب تجاه هذا الشخص، وعادة ما ترجع أشكال متطرفة من السلوك إلى تكوين العكس .
2/8: التعويض: وهو أسلوب المبالغة الذي يبدو على سلوك  الفرد فمثلاً فرد دميم الخلقة أو شخص قصير القامة على شكل قزم فنجد بأن كلاً من هذين الفردين يحاول إظهار السيطرة والتسلط بصورة مبالغ فيها في شكل عملية تعويض عن مشاعر مكبوتة تؤلم  الفرد إذا شعر بها على شكل استعراضات يقوم بها، ويرجع السلوك التعويضي لبعض الأفراد إلى عوامل لا شعورية لا يعيها الفرد وتدفعه إلى أساليب سلوكية غير متكاملة مبالغ فيها قد تؤدي إلى اضطرابات انفعالية .
2/9: التبرير: وهو عملية نستطيع من خلالها إيجاد أسباب منطقية لسلوكنا ولكن هذه الأسباب غالباً ما تكون مخالفة للواقع وذلك لكون الفرد يرى بأن ما يراه لنفسه قد يراه الآخرون فيهم، ولذا فأن التبرير في بعض الأحيان يمثل عملية لا شعورية لأن صاحبها لا يدرك بأنه مشوه الواقع،يصعب عليه مناقشة مبررات سلوكه لأن (الأنا) تخشى الكشف عن الأسباب الحقيقية لذا فهي تعمل على كبتها، ومثال ذلك الطالب الذي يغش في الاختبار يبرر فشله بصعوبة أسئلة الاختبار وذلك لحفظ ماء الوجه.

ويمكن للمرشد الطلابي أن يتعرف على الحيل الدفاعية التي يقوم بها كثير من الطلاب فعلى ضوئها يمكنه التعامل مع المشكلات الطلابية المتعددة .        


ليست هناك تعليقات:

يتم التشغيل بواسطة Blogger.